قال: "والجواب: أن السجود كان لآدم بأمر الله وفرضه بإجماع من يسمع قوله، ويدل على ذلك وجوه" فكل من يعتد بقوله يعلم أن سجود الملائكة لآدم كان بأمر الله، وهذا شبيه بما قاله المصنف هنا: "لو أن الله أمر عباده أن يسجدوا لحجر لوجب عليهم الامتثال والمبادرة" فكلنا خلق الله وعباد الله، ومطيعون لأمر الله، فلو أمرنا أن نسجد لأي شيء لسجدنا له، لا لأن هذا معبود يستحق العبادة، ولكن لأن المعبود تعالى أمرنا بذلك، فلما أمرنا أن نُقبل الحجر الأسود قبلناه، ولو أمرنا -فرضاً- أن نسجد له لسجدنا، فنحن عبيد لله تعالى.
قال: "أحدها: قوله لآدم ولم يقل: إلى آدم، وكل حرف له معنى، ومن التمييز في اللسان أن يقال: سجدت له، وسجدت إليه. كما قال تعالى: ((
لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ))[فصلت:37] وقال: ((
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ))[الرعد:15] وأجمع المسلمون على أن السجود لغير الله محرم" ومحرم كلمة مجملة تشمل الشرك وغيره، والمقصود أنه محرم وغير وارد في هذه الشريعة والحمد لله، قال: "وأما الكعبة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى
بيت المقدس، ثم صلّى إلى الكعبة، وكان يصلي إلى عنزة ولا يقال: لعنزة، وإلى عمود وشجرة ولا يقال: لعمود، ولا لشجرة، والساجد للشيء يخضع له بقلبه، ويخشع له بفؤاده"، ومن شروط العبودية أو أركانها: الخضوع، والذل، والخوف، وهذا لابد من تحقيقه، ولهذا لو أن أحداً سجد لأحد مكرهاً، لما قلنا: إنه عبده، إنما العابد هو من يقدم القربة باختياره، مع خضوعه وتذلُله ومحبته ورجائه للمعبود.
يقول: "وأما الساجد إليه" -إذا كان متعدياً بإلى- "فإنما يولي وجهه وبدنه إليه ظاهراً، كما يولي وجهه إلى بعض النواحي إذا أمّه، كما قال تعالى: ((
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ))[البقرة:144]" أي: استقبلوه واجعلوه أمامكم، ولم يقل أحد: إننا نسجد للكعبة أو للمسجد الحرام.
يقول: "والثاني: أن آدم لو كان قبلة.." لأن أولئك يريدون أن يفروا من الشرك، لكن ليس كل من طلب الحق أصابه، قالوا: لا يمكن أن الله يأمر الملائكة أن تسجد لمخلوق السجود لا يكون إلا لله، وإنما جعل آدم قبلة يسجدون إليها، فيقول
شيخ الإسلام : "إن آدم لو كان قبلة لم يمتنع إبليس من السجود" أي: هو مجرد قبلة واستقبال أي شيء لا يقتضي تفضيله ولا تكريمه.
قال: "أو يزعم أنه خير منه، فإن القبلة قد تكون أحجاراً" ولا ريب أن ابن آدم المصلي أفضل من الأحجار.
إذاً: المسألة ليست مجرد قبلة.
يقول: "وليس في ذلك تفضيل لها على المصلين إليها، وقد يصلي الرجل إلى عنزة وبعير، وإلى رجل، ولا يتوهم أنه مفضل بذلك فمن أي شيء فر الشيطان؟! هذا هو العجب العجيب!!" هل فر الشيطان من القبلة؟! أم فر من كونه يسجد لهذا المخلوق الذي يرى أن الله قد كرمه وفضله عليه؟!
قال: "والثالث: أنه لو جعل آدم قبلة في سجدة واحدة، لكانت القبلة و
بيت المقدس أفضل منه بآلاف كثيرة" لأن السجود والصلاة إليهما كثير جداً، وآدم إنما سُجد له مرة واحدة، فتكون هذه الأبنية أفضل من آدم بآلاف كثيرة.